خمسة وخـ.. مـيـسي!
رازي نجّار
كان ذلك أسعد يوم في حياتي (هذا إذا تناسيت - خدمة للنص - يوم موت رِكس، كلب جيراننا المتوحش). كنت في السادسة من عمري عندما اكتشفت أنني أسكن على بعد ضربة حرة مباشرة من بطل حقيقي من لحم ودم (على عكس غراندايزر وستيف-أوستين وحميدو أبطال الملاعب). الزمان؛ بدايات صيف يخبِّئ مونديالاً سيربحه الطليان وتتخلله حرب على لبنان. المكان؛ بلدة صغيرة تتنفس كرة القدم. الحدث؛ زاهي ما غيره، ابن جارنا أبو إميل الأرملي، النجم المحلي الصاعد، يقود فريق أبناء شفاعمرو إلى حلم القطرية مسجلاً أربعة أهداف في مباراة واحدة مصيرية. منذ ذلك الحين، ارتبط في ذهني هذا الرقم، أربعة، بالنجومية في عالم الكرة، وأصبح زاهي نجم طفولتي...
منتصف هذا الأسبوع في حيفا، حيث أسكن على بعد ضربة كتيوشا مباشرة من لبنان، أعاد لي ليونيل ميسي تاريخي الشخصي هذا، وذاك الشعور الطفولي باكتشاف نجم من لحم ودم، يسجل أربعة أهداف في مباراة حاسمة ويصبح نجم الطفل الكبير الذي يعيش في داخلي، في داخل كل من يحب كرة القدم...
أكتب هذه السطور مساء يوم أمس السبت*، أي قبل ساعات معدودة من واقعة الكلاسيكو التي سيواجه فيها ميسي وبرشلونة خصمهما اللدود، ريال مدريد (وكرستيانو رونالدو المغرور). ولا أخفي عليكم أنه رغم كفري المطلق بغيبيات الحسد والعين ومشتقاتها، ثمة خشية ما تلجم سريان المديح لميسي، خشية أن تُختتم ليلتي بخيبة غير متوقعة. ثم ماذا يمكن القول في ميسي أكثر مما قيل حتى الآن، وخاصة ما بعد الثلاثاء الفائت؟!
ليس لدي ما أضيفه من حيث الألقاب التي انهالت عليه من كل حدب وصوب، كما أنني أميل إلى الاعتقاد بأن ميسي، بسبب صغر سنه وكبر موهبته، سيضع محرري الصحف وواضعي العناوين في مأزق مستقبلي، فالخير كما بدا ويبدو، لقدام، وخير البرّ عاجله (الليلة إن شاء الله).
لذا، من باب عدم التكرار، وعدم التكرار هذه ميزة من ميزات نجم حديثنا، أودّ التوقف عند نقطة هامة لاحظتها من خلال جولاتي بين البيت والعمل وصولاتي الإنترنتية العديدة، وهي أن ميسي، يوم الأربعاء، كان عنوان يوم من يبعدون عن كرة القدم بعد فلسطين عن الأرجنتين. عبقرية هذا العملاق الصغير، خفّته، سرعته، تواضعه، استطاعت أن تجذب إليه، وبالتالي إلى لعبة الكرة، أشخاص لا يعرفون أن في فريق كرة القدم 11 لاعبًا، وهنا تكمن عظمة أفضل لاعب في التاريخ. أن تشاهد ميسي يعني أن تشاهد فنًا يتكّون أمامك ويرزق حيًا على أرضية خضراء، من دون الحاجة لأن تعرف ما يدور في ظواهر لعبة الكرة وخباياها...
في أيام طفولتي المبكرة والمتأخرة كنت من المولعين (ترجمة مقترحة لـ"سروفيم" العبرية المتداولة) بكرة القدم، ذلك أن محيطي المباشر، بفضل الأرملي، كان كذلك. ولع خمد مع مرور الزمن ولسنين طويلة، ثم تجدد جزئيًا مع تعرفي على إدماني المناوب – لعبة الفيفا في الكمبيوتر، ثم عاد واشتعل مع تعرفي إلى ظاهرة ميسي. هنا، أجد من الضروي أن أعلق على ما قاله مدرب الأرسنال في المؤتمر الصحفي الذي تبع خسارتة فريقه أمام ميسي، عندما قال "ميسي يلعب كالبلي ستيشن"، لكن الحقيقة التي دأب على كشفها محترفي عالم الألعاب المحوسبة والتي أعرفها أنا من تجربتي الشخصية، هي أن ميسي المحوسب لا يرقَ لمستوى ميسي الحقيقي. نعم، ميسي غلب الكمبيوتر أيضًا!
ختامًا، وحفاظًا على تقاليدنا العربية، لا يسعني إلى أن أقطع الطريق على أية وسيلة إعلامية عربية، وأعلن حصريًا، أن ميسي، كغالبية عظماء العالم (شيكسبير هو هو الشيخ زبير مثلاً)، ينحدر من أصول عربية أندلسية، هاجرت الأندلس إلى الأرجنتين في القرن التاسع عشر. والميس، بحسب لسان العرب، التَبَخْتُر، ماسَ يَمِيسُ ميساً ومَيَساناً: تَبَخْتَر واخْتالَ. فهل قلنا اسمًا على مسمى؟!
*(10.4.2010)

