الجمعة، ٣١ كانون الأول ٢٠١٠


الثلاثاء، ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١٠


الثلاثاء، ٢٣ تشرين الثاني ٢٠١٠


الأربعاء، ٣ تشرين الثاني ٢٠١٠

الأربعاء، ١٣ تشرين الأول ٢٠١٠



الجمعة، ٢ تموز ٢٠١٠



الخميس، ٢٤ حزيران ٢٠١٠

السبت، ١٩ حزيران ٢٠١٠

الأحد، ٦ حزيران ٢٠١٠




نقاط على حروف المونديال!

رازي نجار



أ

أفريقيا

مونديال 2010 هو أول مونديال يُلعب على أرض القارة السوداء التي لعب بها الاستعمار لقرون طويلة. الجو السائد يتحدث عن إنجاز للأفارقة، لكن الوجه الاخر للعملة يقول: أين كنتم حتى الآن؟!



ب

بذورات

في الوقت الذي ستنشط فيه عضلات نجوم المونديال القوية والمدربة والمشبعة بمليارات الدولارات، ستنشط ملايين الفكوك في العالم، ومئات الآلاف من الفكوك العربية الفلسطينية الباقية في وطنها، في فصفة/أصأصة/كصكصة أطنان البذورات المحمصة المملحة نحو توسيع فرص العمل لأطباء الأسنان ولإخصائيي التهابات مفاصل الفك... بهذا نكون قد رفعنا تهمة الكسل عنا وأثبتنا أننا شعب عنده ما يعطي لكنه ما زال "مخبأ في قشوره"!



ج

ﭼوووووووول

وهو المطلوب. حتى لو كتبت ترليونات الكلمات التي تهلل لموهبة ميسي أو روني أو رونالدو أو أدريانو، أو التي تطبل للكرة الهولندية، أو التي تزمر لحكمة تشافي، لن يكون هذا المونديال مونديالاً إلى بوفرة الأهداف التي يفضل أن تكون مبتكرة في جماليتها... كما يفضل أن تكون لصالح الفريق الذي أشجعه!



د

دييغو أرمندو مارادونا

يستعرض الفيلم الوثائقي "مارادونا" للمخرج البوسني إمير كوستاريتسا، في ما يستعرض، الهالة الإلهية التي تحيط بشخص نجم نجوم اللعبة. ربما تقرأون هنا وهناك عن انتقادات في الصحف الأرجنتينية حول قرارات وأداء مارادونا كمدرب، لكن هذا ليس إلا حكي جرايد. في الأرجنتين طائفة لها كنيسة ترى في مارادونا إلهها؛ تتعمد باسمه، تتزوج باسمه وتدفن موتاها باسمه.. لا ينتمي لكنيسة المجانين حتى الآن هذه سوى بعض مئات من عبدة مارادونا، لكن إذا استطاع هذا المشاغب الأسطوري في إنجاز ما حققه كلاعب وأن يأخذ بمنتخب بلده (وبميسي) إلى الكأس، لن يكون غريبًا إذا تحولت كنيسة المجانين هذه إلى الدين الرسمي في الأرجنتين!



ه

هوس

هو شهر الهوس. قد يرتطم نيزك عملاق بالكرة الأرضية لكننا لن ننتبه، وقد يشهر أفيغدور ليبرمان إسلامه لكننا لن نلتفت، وقد يتزوج أسامة بن لادن ابنة جورج بوش لكننا لن نأبه، وقد تأتي فيروز لتغني في حيفا لكننا لن نستمع... فالدنيا مونديال، الله يمندلكو بالخير!



و

وينتا اللعبة؟

سؤال غير مرغوب فيه، زائد، لا مكان له، يصدر عن أشخاص لا شبق لهم في المونديال ولا عبق. يرجى من محبي الكرة التزام الصبر وضبط الأعصاب، فوجود مثل هؤلاء بين ظهرانينا هو أمر حتمي وقدر من الله تعالى!



ز

زهق

يتقدم "فيفا" (الاتحاد الدولي لكرة القدم)، بأصدق الاعتذارات لعمدان الكهرباء ولجوانب الطرقات وللحيطان والجدران في قرانا وبلداتنا العربية المفلسة والمفلّسة لتسببه في تركها وحيدة جلمودة لمدى شهر من الزمن، على أمل أن تعودي لتظلّلي وتحتضني زهق وفلاس أبناء الأقلية حتى المونديال القادم.. عذرًا وشكرًا.



ح

حملات

تنزيلات المونديال، تلفزيونات المونديال، بذورات المونديال، بيتسا المونديال، كولا المونديال، بطيخ المونديال، حفاضات المونديال، وقريبًا: أسطول المونديال!

في هذه الأيام التي تفرط فيها كلمة "المونديال" في العمل لساعات إضافية في مكاتب الدعايات بوظيفة "مضاف إليه"، تبدو نفخة الحكم في صافرته، في الساعة الخامسة من يوم الجمعة القادم، لحظة انطلاق مونديال 2010، الحدث الأقل أهمية في هذه المعادلة، معادلة الماكنة الرياضة مقابل الماكنة الاقتصادية...



ط

طُم حالك!

طَمَّ الشيءَ، يَطُمُّه طَمّاً: غَمَره. وموندياليًا، يستعملها مشجع الفريق "أ" في جداله المحتدّ مع مشجع فريق "ب"، في دعوة من الأول للثاني بأن يتواضع ويعترف بإمكانيات فريقه غير الكافية لمواجهة الفريق الأول، والعكس صحيح.

مع انتهاء المونديال يصلح استعمالها في الطوش الحاراتية أو في السهرات، أو للتحبُّب بين حبيبين في يوم فلاس آخر!



ي

ييييش

ييش (عبرية): وتعني بالعربية "يوجد"، وهي عبارة يصرخها المشجع العربي المحلي عندما يحقق فريقه المحبوب هدفًا أو فوزًا. وتتبع ييش، عادة، عبطة حميمية قد تجمع جارين تضاربا قبل يومين على "صفة سيارة"، فما جمعه المونديال لا يفرقه إنسان...



ق

قرف

وتلفظ أرف في الشمال، وأرااااف في الناصرة، وكرف جنوبها، وﭽرف هنا وهناك.. تستعملها النساء بكثرة في الشهر الكريه، ليعبرن فيه عن رأيهن الواضح بالتصرفات الهمجية لأبناء الجنس الخشن أثناء ممارستهم للوثة التشجيع!



ل

ليونيل ميسي

ميسيـ ..كو بالخير. النجم العالمي المناوب وأسطورة كروية قيد البناء والتحقيق. هل سينجح ليونيل ميسي، بعمر 21 عامًا، أن يحطم كل الأرقام السابقة وأن يقود منتخب الأرجنتين للقب المنشود. إذا فعل، فسيحسم نهائيًا السؤال التاريخي حول من هو أفضل لاعب في تاريخ الكرة، وإذا لم يفعل، فأمامه مونديالين أو ثلاثة ليعيد المحاولة، وخير البر عاجله.



م

مع مين إنت؟

سؤال سيستبدل الأسئلة الروتينية من فصيلة "كيفك"/كيف حالك"/شو الوضع"/"وين مختفي"، ويهدف إلى استجوابك حول هوية الفريق الذي تشجع.

تحذير: تشير الأبحاث الاجتماعية إلى أن 85% من الإجابات على هذا السؤال تنتهي إلى تقاذف متبادل للشتائم، وأن الشتيمة بتلف وبتلف وتعود إلى صاحبها، مما اقتضى التنويه!



ن

نجوم

736 لاعبًا سيشاركون، لعبًا او احتياطًا، في المونديال. بعضهم يصل إلى جنوب أفريقيًا نجمًا لامعًا ملمعًا، والبعض سيلمع نجمه خلال الشهر.. ثمن مجمل اللاعبين الراكضين والجارين في المونديال يقدر بـ 6.14 مليار دولار، فكم سيكون الربح الجاري للدولة المضيفة؟!





ص

صفر – صفر

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. لا قدر الله... الله ينجينا... تحكيش هيك، شو 0-0؟





ع

علم

من دون استشارة أي عالم/عامل اجتماع، سأذهب للاستنتاج بأن هذا التهافت العربي على رفع الأعلام على شرفات البيوت ما هو إلا نتيجة حتمية لانعدام وجود علم يمثلنا، ذلك أن رفع العلم الفلسطيني في زمن لا أوسلو فيه هو جلاب مصائب... هذا بالأساس، لكن ما يأتي بعد ذلك هو أن دار أبو فلان رفعوا علم البرازيل لأن خصومهم اللدودين من دار أبو علان رفعوا علم إيطاليا، فتتحول حروبنا الطائفية والعائلية والقبلية إلى حروب أممية (أو قل عالمية) لشهر من الزمن، تتخللها بعد المعارك الأهلية الناتجة في البيوت التي تعاني من أزمة هوية ورفع أهلها أكثر من علم...

وحدها البلدية تصر على تشجيع منتخب إسرائيل طول السنة، وعجبي!



ف

فات الـﭽول؟

في المقهى: ستسمع المعلق يصرخ "هدف هدف، الله الله الله"، وسترى اللاعبين يتعانقون، وترى الجمهور يهوج ويموج، وستقرأ على التلفزيون 1:0 وستشاهد اسم مسجل الهدف، لكن الشخص ذاته من الحرف "واو" أعلاه سيسألك "فات فات الـﭽول؟".. في هذه الحالة، أحضر العصاة من العلم في حرف "ع" وكلّك فهم...




س

سلساو

لأن المنتخب البرازيلي هو المنتخب رقم واحد في العالم، وهو المرشح الأزلي للفوز في كل بطولة يشارك فيها. لأن البرازيليين هم من ارتقوا بلعبة كرة القدم إلى مستوى الفن، ولأنهم أصحاب الأرقام القياسية، ولأنهم قدموا للعالم بيليه وزيكو وسقراتيس وروماريو ورونالدو ورونالدينيو وكاكا ولأن ولأن ولأن.. ولأن جميع المحللين الرياضيين نعوا الكرة البرازيلية بعد أن شاهدوا التركيبة الدفاعية لفريق المدرب دونغا، على البرازيليين أن يقدموا أفضل ما لديهم.. سيكون مثيرًا!



ك

كرستيانو رونالدو

كل العالم مقتنع حاليًا بأن ليونيل ميسي هو أفضل لاعب في العالم. كل العالم ما عدا شخص واحد اسمه كرستيانو رونالدو. اللاعب البرتغالي المتكامل يعرف أنه لو ولد برازيلي أو ألماني أو حتى إسباني لكانت فرص دخوله لمنطقة المنافسة على لقب "الأفضل في التاريخ" أكبر، لكن النجم القادر على تغيير نتيجة المباراة في أية لحظة قادر على تحويل منتخبه إلى برازيل أوروبا.. المشكلة الوحيدة أنه سيواجه البرازيل من أولها!



ر رونالدينيو

سيغيب عن هذا المونديال العديد من نجوم الكرة، البعض لعدم وصول منتخبهم إلى النهائيات، كإبراهيموفيتش، والبعض الآخر بقرارات مستهجنة من مدربي منتخبات بلادهم – وأبرز هذه الأسماء رونالدينو. غياب اللاعب الفنان عن المنتخب البرازيلي غير مفهوم في ظل موسم جيد للنجم، وهذه أول خسارة للبرازيل في هذا المونديال...



ش

شغل

إذا كنت صاحب مصلحة تجارية، لا تعلّق علمًا كي لا تخسر زبائن.. وإذا كنت أجيرًا شجع فريق "البوس" فهو الحيط الواقف.. وإذا كنت عاطلاً عن العمل فـ"نيّالك"!



ت

تلفزيون

الجزيرة الرياضية، الإي آر تي، سبورت 5، المعلقون العرب المثيرون، المعلقون الإسرائيليون ثقيلو الدم، 42 إنش، إل سي دي، بلازما، عادي، صحن، كوابل، مشفر، كود، إلخ... عزيزي المشاهد تذكر: تقبيل التلفزيون، الصراخ على اللاعب أو الحكم، احتضان التلفزيون، ضربه، كسره، هزّه، الاقتراب منه/الابتعاد عنه، كلها أمور لا تغير في النتيجة أي شيء. مشاهدة ممتعة، وكل مونديال وأنت بخير!



الخميس، ٢٠ أيار ٢٠١٠

الثلاثاء، ١١ أيار ٢٠١٠

الأربعاء، ٢٨ نيسان ٢٠١٠



خمسة وخـ.. مـيـسي!

رازي نجّار



كان ذلك أسعد يوم في حياتي (هذا إذا تناسيت - خدمة للنص - يوم موت رِكس، كلب جيراننا المتوحش). كنت في السادسة من عمري عندما اكتشفت أنني أسكن على بعد ضربة حرة مباشرة من بطل حقيقي من لحم ودم (على عكس غراندايزر وستيف-أوستين وحميدو أبطال الملاعب). الزمان؛ بدايات صيف يخبِّئ مونديالاً سيربحه الطليان وتتخلله حرب على لبنان. المكان؛ بلدة صغيرة تتنفس كرة القدم. الحدث؛ زاهي ما غيره، ابن جارنا أبو إميل الأرملي، النجم المحلي الصاعد، يقود فريق أبناء شفاعمرو إلى حلم القطرية مسجلاً أربعة أهداف في مباراة واحدة مصيرية. منذ ذلك الحين، ارتبط في ذهني هذا الرقم، أربعة، بالنجومية في عالم الكرة، وأصبح زاهي نجم طفولتي...

منتصف هذا الأسبوع في حيفا، حيث أسكن على بعد ضربة كتيوشا مباشرة من لبنان، أعاد لي ليونيل ميسي تاريخي الشخصي هذا، وذاك الشعور الطفولي باكتشاف نجم من لحم ودم، يسجل أربعة أهداف في مباراة حاسمة ويصبح نجم الطفل الكبير الذي يعيش في داخلي، في داخل كل من يحب كرة القدم...

أكتب هذه السطور مساء يوم أمس السبت*، أي قبل ساعات معدودة من واقعة الكلاسيكو التي سيواجه فيها ميسي وبرشلونة خصمهما اللدود، ريال مدريد (وكرستيانو رونالدو المغرور). ولا أخفي عليكم أنه رغم كفري المطلق بغيبيات الحسد والعين ومشتقاتها، ثمة خشية ما تلجم سريان المديح لميسي، خشية أن تُختتم ليلتي بخيبة غير متوقعة. ثم ماذا يمكن القول في ميسي أكثر مما قيل حتى الآن، وخاصة ما بعد الثلاثاء الفائت؟!

ليس لدي ما أضيفه من حيث الألقاب التي انهالت عليه من كل حدب وصوب، كما أنني أميل إلى الاعتقاد بأن ميسي، بسبب صغر سنه وكبر موهبته، سيضع محرري الصحف وواضعي العناوين في مأزق مستقبلي، فالخير كما بدا ويبدو، لقدام، وخير البرّ عاجله (الليلة إن شاء الله).

لذا، من باب عدم التكرار، وعدم التكرار هذه ميزة من ميزات نجم حديثنا، أودّ التوقف عند نقطة هامة لاحظتها من خلال جولاتي بين البيت والعمل وصولاتي الإنترنتية العديدة، وهي أن ميسي، يوم الأربعاء، كان عنوان يوم من يبعدون عن كرة القدم بعد فلسطين عن الأرجنتين. عبقرية هذا العملاق الصغير، خفّته، سرعته، تواضعه، استطاعت أن تجذب إليه، وبالتالي إلى لعبة الكرة، أشخاص لا يعرفون أن في فريق كرة القدم 11 لاعبًا، وهنا تكمن عظمة أفضل لاعب في التاريخ. أن تشاهد ميسي يعني أن تشاهد فنًا يتكّون أمامك ويرزق حيًا على أرضية خضراء، من دون الحاجة لأن تعرف ما يدور في ظواهر لعبة الكرة وخباياها...

في أيام طفولتي المبكرة والمتأخرة كنت من المولعين (ترجمة مقترحة لـ"سروفيم" العبرية المتداولة) بكرة القدم، ذلك أن محيطي المباشر، بفضل الأرملي، كان كذلك. ولع خمد مع مرور الزمن ولسنين طويلة، ثم تجدد جزئيًا مع تعرفي على إدماني المناوب – لعبة الفيفا في الكمبيوتر، ثم عاد واشتعل مع تعرفي إلى ظاهرة ميسي. هنا، أجد من الضروي أن أعلق على ما قاله مدرب الأرسنال في المؤتمر الصحفي الذي تبع خسارتة فريقه أمام ميسي، عندما قال "ميسي يلعب كالبلي ستيشن"، لكن الحقيقة التي دأب على كشفها محترفي عالم الألعاب المحوسبة والتي أعرفها أنا من تجربتي الشخصية، هي أن ميسي المحوسب لا يرقَ لمستوى ميسي الحقيقي. نعم، ميسي غلب الكمبيوتر أيضًا!

ختامًا، وحفاظًا على تقاليدنا العربية، لا يسعني إلى أن أقطع الطريق على أية وسيلة إعلامية عربية، وأعلن حصريًا، أن ميسي، كغالبية عظماء العالم (شيكسبير هو هو الشيخ زبير مثلاً)، ينحدر من أصول عربية أندلسية، هاجرت الأندلس إلى الأرجنتين في القرن التاسع عشر. والميس، بحسب لسان العرب، التَبَخْتُر، ماسَ يَمِيسُ ميساً ومَيَساناً: تَبَخْتَر واخْتالَ. فهل قلنا اسمًا على مسمى؟!

*(10.4.2010)





الثلاثاء، ٢٧ نيسان ٢٠١٠


نصف الكأس الفاضي!



رازي نجار

يرن هاتفي. الشاشة تعلن أن رئيس التحرير يبحث عني. أتمتم وأبرطم قبل أن أضغط زر الاستقبال، ذلك أن "يا ساتر" وقاية خير من "لم أر أنّك اتصلت" علاج.

على الجهة الثانية من الكلام يأمرني الرانن – بصيغة الطلب الملطِّف – أن أكتب نصًا مستعجلاً عن المونديال عجّل الله إقباله، ويعتذر عن ضيق الوقت في الطلب/الأمر. أوافق، متفائلاً أخاكم لا بطل، وأقول له "دعك من ضيق الوقت، جيت بوقتك"، أقول للطالب أبو المجد* مقتبسًا الطارِب الضارِب أبو المجد الآخر، وأقرر أن أزيح عني صفة الكاتب الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، وأن ألبس قبعة الكاتب الذي يعجبه العجب، بغض النظر عن من خسر ومن غلب، وأكتب عن نصف الكأس الملآن.

أفرك رأسي مرة لعلّ عفريت النص يخرج عليّ من مصباحي المنطفئ ويهديني نصًا كله أمل وروح إيجابية، لكن عبثًا أحاول. رغم ذلك أبدأ، فليس أمامي أكثر من 90 دقيقة.

تغريني فكرة كتابة مقدمة كلاسيكية، مفادها في ما يلي: بعد شهر ونصف الشهر، سيضع الناس حيواتهم وهمومهم وأعمالهم وهواياتهم وأعراسهم ونسائهم وأطفالهم جانبًا، ويغوصون في مستنقع، عفوًا، واحة المونديال. إنها فرصة للإنسانية جمعاء للتخلص من غرائزها الهدامة نحو الاجتماع حول هذه الرياضة المحبوبة التي وصفها الشاعر بحرب النبلاء... أتوقف هنا، أنظر خلفي في المرآة الجانبية على ما سقت من الكلام، وأقرر ألا أتابع هذه المحاولة المفرطة في الرومانسية الكاذبة. ثم أعيد المحاولة.

بعد شهر ونصف الشهر سيتحقق حلم الزعيم نلسون مانديلا، ذلك السجين السياسي الذي قضى عقود من حياته وراء قضبان سجون الأبرتهايد بهدف القضاء على النظام العنصري في بلده – جنوب أفريقيا، ونجح. نعم، هذا أول مونديال تستضيفه القارة السوداء - سوداء نسبة للون بشرة سكانها، وربما لحظهم التعيس على مر التاريخ - ما يجعله مونديالاً تاريخيًا مع سبق الإصرار ورصد الأموال. مانديلا، والذي منذ توليه رئاسة جنوب أفريقيا المتجددة في العام 1994، أيقن في الرياضة رافعة تضع أمته (مشروع أمته) في واجهة الشعوب المتقدمة، عمل بكل جهده (مهملاً شؤون السياسة الجارية أحيانًا) لكي يفوز منتخب بلاده بكأس العالم للرغبي (ابنة الخالة الشنعة للعبة كرة القدم الشقفة)، وحقق ذلك في غضون عام واحد. المفارقة في حينه كانت أن مانديلا الذي رأى في الرياضة، أي رياضة، رمزًا يستقطب من حوله السود المظلومين والبيض الظالمين، وفرنًا يصهرهما سويًا ويحرق العنصرية ليكوّنا شعبًا واحدًا جديدًا، لم يفطن لمسألة التذاكر، فحصل أن جميع من حضر مباراة الكأس النهائية كانوا من البيض ميسوري الحال القادرين على دفع ثمن البطاقة، فبقي حلمه غير مكتمل...

واليوم، وبينما يتكرّر الإنجاز التاريخي لجنوب إفريقيا (استضافة أهم حدث رياضي عالمي على الإطلاق) تتكرر المفارقة اياها؛ أهل البلاد الأصليين، الأفارقة الفقراء، عاجزون عن المشاركة في هذه التظاهرة "الإنسانية"، بسبب الثمن الباهظ لتذاكر حضور المباريات. من الجهة الثانية من العالم وكأسه، لا يبدي الأوروبيون الرأسماليون أي تهافت يذكر على شراء التذاكر، الأمر الذي يضع علامة استفهام كبيرة على نجاح المونديال في هذا الجانب. العارف في الأمور سيعزو كسل الأوروبيين هذا إلى النعرة العنصرية المتعالية اياها، والتي قد تأتي على شكل أعذار أقبح من ذنب، مثل البعد الجغرافي، والخطر الأمني والخوف وبركان أيسلاندا.. الخ الخ. يبقى الأمل في أن يستدرك الـ"فيفا" حجم القضية، ويقول للأوروبيين بالناقص، وينقّص من سعر التذاكر معيدًا اللعبة الشعبية إلى الشعوب.

قبل أن أذهب، أعود إلى مونديالي الشخصي جدًا، وأعترف أمامكم حبرًا على ورق جريدة، أنني لا أستطيع أن أختم مقالي إلا بكلمة سحرية، سأقولها لمرة واحدة: ميسي.. وربما لمرة ثانية وثالثة، ميسي ميسي ميسي، وعذرًا للبرازيليين!