السبت، ٢٠ آب ٢٠١١

ززززززززززززززززززززززززززز



ززززززززززززززززززززززز!

 (1)
 نظـــرة فـابتسامــة فســلامٌ فـكـلامٌ فمـوعــدٌ فلـقــاءُ فقبلة آسرة وأكثر في الخفاء، فأحلام لا تخلو من مشكنتا، فاتفاق، فأهلها فأهله فخطبة فمطبعة فبطاقة فكبسة على زر جرس الباب، فكبسة ثانية، فثالثة، فاستنتاج بأن الجرس الكهربي معطوب، فدق على الباب، فـ"مين" فسكوت ففتح للباب، فـ"أهلاً" فـ"تفضل" فـ"عقبالك يا أمير" فـ"سلِّم"، فإغلاق للباب فسبُّ الباري عز وجل، ففتح للمكتوب فإمعان في التفاصيل والمواعيد فتوسيع حيّز سب الباري بإلحاق أخت وهمية به، فاستغفار الغفور (عند المؤمنين)، فديار في الأفراح عامرة، فـ"نستقبل سوى العريس والعروس" فالتقاء ناظري ابنة خال العريس وابن عمة ابن أخت العروس، فنظرة فابتسامة فسلام فـ... فدق على الباب فـ"عقبالك يا أمير"... وليتحمّل الباري الرحوم.

(2)
 ليس هذا النص نصًا بكائيا يتناول موضوع النقوط. لا، لم أخن الأمانة ولم أودّع الطبقة الوسطى بعد، وكل ما في الأمر أنني شأني كشأن جميع أبناء جلدتي المشاركين وغير المشاركين في احتجاج الخيم والجيوب؛ تمسحتُ. السؤال الذي يزف نفسه راقصًا هو "متى ستنصب خيم الاحتجاج أمام قاعات الأعراس؟".

 (3)
 للأذُن في المناسبات العائلية حضورا فاعلا - والأصح مفعول بها. وصلت، وأنا وأذناي إلى القرية الشمالية الضائعة عند حدود الأمل (لبنان كما نتخيله متأملين)، مسقط رأس جيناتي أجمعين، بعد غياب عقد من الزمن وانقطاع طويل مشوب بعتاب بعض ذوي القربى. دخلت موقعة الحلاقة الافتراضية على صوت مهاهاة مهاهِية مبتدئة ينتظرها مستقبل باهر، ثم خضت جولة من العبط والتقبيل خرجت منها سالمًا غانمًا بحب مجرّد من أي مصلحة. المشهد لم يكن ورديًا إلى هذا الحد، فبعض رجال العائلة الأشداء، والذين رأوني آخر مرة عام ألف وتسع مائة وشيء ما (يعني زماااان)، لم يلاحظوا أنني كبرت منذ ذلك الحين وأنني رجل إلى جانبه زوجة ستضحك عليه فيما بعد، وسمحوا لأنفسهم بأن "يفركوا أذني" توبيخا وتأنيبا على الغياب الطويل غير المبرر. لا بأس، ذلك أن مشكلتي الأعراسية لا علاقة لها بالأذن الخارجية المشلوعة والمفروكة، بل بأجزاء داخلية من الأذن يعمل على إتلافها المدعو "تكليتان" عرسًا بعد عرس.


 (4)
ينص القانون البيئي على ألا يتجاوز ارتفاع صوت الموسيقى في قاعات الأعراس على 85 ديتسيبل، على أن تلتزم القاعة بالارتباط بجهاز قياس الضجة الذي يقطع الكهرباء عن مصدر الموسيقى في حال تجاوزه الدرجة المسموحة. تطبيق القانون غير حاصل في مجتمعنا العربي، وكم بالحري في أعراسنا الهائجة في الفلا. الأضرار الصحية الناتجة عن التعرض لموسيقى صاخبة (فوق 85 ديتسيبل) هي أضرار ليست مباشرة بل تراكمية تطال الأذن والنفس أيضًا. هذا يعني أننا شعب مريض أعراس!

 (5)
يتميز "التكليتان" العربي، إلى جانب عشقه غير المفهوم للمايكروفون، بفقره المعرفي المدقع بأسس علم هندسة الصوت. من الأعراض المرافقة لحضور التكليتان في أعراسنا؛ حكّة مزعجة في الأذن، ناتجة عن رداءة الأجهزة والتسجيل وجهل التحكم بلوحة هندسة الصوت التي يعتبرها التكليتان من المكملات الجمالية في عدّته. سسسسسسسسوا!

 (6)
عندما تعود من الزفة أطرش، وتضع رأسك على المخدة وتسمع "ززززززززز"، حتما ستصل إلى استنتاج مفاده في أن "التكليتان" مؤامرة من أطباء الآذان.
             

الأحد، ١٤ آب ٢٠١١


لــــيــــش؟!


رازي نجار

على الضفة الثانية من المفاجأة التي تنتظرني في آخر الفقرة الثالثة، وقفت مع ابنتي، التي أربيها وتعيد تربيتي كل يوم، على الرصيف المرقع المحاذي لبيت "تيتا". كانت الخطة أن نقطع الشارع باتجاه حظيرة الحيوانات مساهمة مني في جسر الهوة بينها وبين الطبيعة، والتي فرضتها عليها بعد اتخذت من المدينة بيتا لي ولها – ذلك أن هناك في المدينة، ليس "البقر" سوى فعالية تربوية في الحضانة، أو تعليل يصدر عني كلّما استيقظَت فزعًا على دوي انفجار مفرقعات تعليلية تقلق منام الشق العربي من المدينة الساكنة على البحر؛ "ليش الصاروخ بابا؟" تسألني صاحبة الـ"ليش" اللا نهائي، فأجيبها "بقر بابا"، فتنام.. بعد ساعة!

نعود إلى الرصيف المحفّر، حيث اخترت أن أنتهز الزيارة إلى الجذور وأن أعلمها درسًا في قطع الشارع، في صيغته القروية؛ فإضافة إلى "ننظر إلى اليمين، ثم إلى اليسار" التي تعرفها (لا أعرف من أين!)، هنا "ننظر إلى الأسفل"، ثم استبقتُ الـ"ليش" المتوقع بجواب يشرح لها بلغة مبسطة التراكمات الاجتماعية والنكبوية التي أدت إلى عزوف بعض أصحاب "بيوت الحجر" عن الارتباط بمشروع المجاري البلدي – وليس من منطلقات الحفاظ على جودة مياه البحر المتوسط. "أراااف" قالت ضاحكة، وقطعنا الشارع.

"هذا ديك، وهذه دجاجة (طبعًا، لا أكلمها بالعربي الفصيح)، وهذا خروف، وهذا كلب جعاري، وهذه بقرة، وهذا حصان، وهذا ابن الحصان. كيف صوت الحصان؟.. وهذه شجرة ليمون، وهذه رمانة، وهذه شجرة مريخوانا، وهذه دالية عنب"، مريخوانا؟!!

أخذت نفسًا (هواء، ونتن أيضًا، مما اقتضى التنويه)، ثم بحلقت أشد بحلقة بالنبتة الخضراء اليانعة اليافعة المتمردة الثائرة الخارجة عن القانون الرسمي والأعراف الاجتماعية المعلنة، لأتأكّد من صحة ما أرى وأشم. لم تكن شتلة، كما تُدعى هذه النبتة عادة، بل كانت شجرة تجاوز ارتفاعها طولي الفعلي (1.74 م) وحتى طولي المعنوي (1.91 م)، شجرة بكل ما تحمل كلمة شجرة من براعم. 


ها أنا إذا، واقف مع طفلتي أمام جناية قانونية تزداد العقوبة عليها كلما ازداد حجمها ونموّها. عقلي المهلوس بدأ بكتابة السيناريو المحتمل: صاحب هذه المشروع الزراعي لن يستطيع أن يفلت من مسؤوليته عن ظهور نبتة القنب في أرضه بادعاء أن بذورها موجودة في علف الطيور (حقيقة علمية) وبالتالي هي إرادة الطبيعة – طبعا إذا استطاع أن يثبت للمحقق الأزرق-أبيض أن الطبيعة، جل جلالها، قادرة على بناء سياج معدني دائري الشكل يحيط بالنبتة، وفزاعة من قش تبعد عنها بعض الطيور الكسولة الراغبة في التحليق "بالهاي" مجازًا!


تسألني الصغيرة المتململة بجانبي والتي انتبهت بفطنتها الحادة إلى أن الشجرة اياها سرقتني عنها "إيش هاي بابا؟". أجيب بأنها لعمّو الذي يسكن هناك. "ليش؟" المتوقعة أخرجت مني جوابًا مبهمًا؛ "عشان يتمسك بالسعادة بابا".
-      ليش؟
-      لأنُّه فش عندو ولاد!

هامش ضروري:
أظهر بحث نشر في عدد تموز 2008 من مجلة Pediatrics العلمية، وشارك فيه باحثون من كلية الطب في يوستون وباحثون من جامعة لندن، أن ابتسامة الطفل تحرك في دماغ الوالدين مناطق تنشط أثناء الإدمان على المخدرات، وتمنحهم نفس الإحساس بالنشوة.